سورة الحج - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{ألم تر} تنبيه وبعده خبر {أن الله} تعالى {أنزل من السماء ماء} فظلت {الأرض} تخضرعنه، وقوله {فتصبح الأرض} بمنزلة قوله فتضحي أو فتصير عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة، ورفع قوله {فتصبحُ} من حيث الآية خبر والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جواباً لقوله {ألم تر} فاسد المعنى، وروي عن عكرمة أنه قال: هذا لا يكون إلا بمكة وتهامة ومعنى هذا أنه أخذ قوله {فتصبح} مقصوداً به صباح ليلة المطر وذهب إلى أن ذلك الاخضرار في سائر البلاد يتأخر.
قال القاضي أبو محمد: وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر بعد قحط وأصبحت تلك الأرض التي تسقيها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف دقيق، وقرأ الجمهور {مخضرة} و{اللطيف} المحكم للأمور برفق، واللام في {له ما في السماوات} لام الملك والمعنى الذي لا حاجة به إلى شيء هكذا هو على الإطلاق، وقوله {سخر لكم ما في الأرض} يريد من الحيوان والمعادن وسائر المرافق، وقرأ الجمهور {والفلكَ} بالنصب، وذلك يحتمل وجهين من الإعراب أحدهما أن يكون عطفاً على {ما} بتقدير وسخر الفلك، والآخر أن يكون عطفاً على المكتوبة بتقدير وإن الفلك وقوله، {تجري} على الإعراب الأول. في موضع الحال، وعلى الإعراب الثاني في موضع الخبر. وقرأت فرقة {والفلكُ} بالرفع فتجري خبر على هذه القراءة. قوله: {بإذنه} يحتمل أن يريد يوم القيامة كأن طيّ السماء ونقض هذه الهيئة كوقوعها، ويحتمل أن يريد بذلك الوعيد لهم في أنه إن أذن في سقوط لكسفها عليهم سقطت، ويحتمل أن يعود قوله {إلا بإذنه} على الإمساك لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه، فكأنه أراد إلا بإذنه فيه يمسكها، وباقي الاية بين.


الإحياء والإماتة في هذه الآيات ثلاث مراتب وسقط منها الموت الأول الذي نص عليه في غيرها إلا أنه بالمعنى في هذه، والمنسك المصدر فهو بمعنى العبادة والشرعة، وهو أيضاً موضع النسك، وقرأت فرقة بفتح السين وفرقة بكسرها وقد تقدم القول فيه في هذه السورة، وقوله {هم ناسكوه} يعطي أن المنسك المصدر ولو كان الموضع لقيل هم ناسكون فيه، وروت فرقة أن هذه الآية نزلت بسبب جدال الكفار في أمر الذبائح، وقولهم للمؤمنين تأكلون ما ذبحتم فهو من قتلكم ولا تأكلون ما قتل الله من الميتة فنزلت الآية بسبب هذه المنازعة، وقوله {فلا ينازعنك} هذه البينة من الفعل والنهي تحتمل معنى التخويف، وتحتمل معنى احتقار الفاعل وأنه أقل من أَن يفاعل وهذا هو المعنى في هذه الآية، وقال أبو إسحاق: المعنى فلا تنازعهم فينازعوك ع وهذا التقدير الذي قدر إنما يحسن مع معنى التخويف، وإنما يحسن أن يقدر هنا فلا يد لهم بمنازعتك، فالنهي إنما يراد به معنى من غير اللفظ، كما يراد في قولهم لا أرينك هاهنا أي لا تكن ها هنا، وقرأت فرقة {فلا ينزعنَّك}، وقوله {في الأمر} معناه على التأويل أَن المنسك الشرعة لا ينازعنك في الدين والكتاب ونحوه، وعلى أَن المنسك موضع الذبح على ما روت الفرقة المذكورة من أن الآية نزلت في الذبائح يكون الأمر الذبح، والهدى في هذه الآية الإرشاد، وقوله {وإن جادلوك} الآية موادعة محضة نسختها آية السيف، وباقي الآية وعيد.


لما أخبر تعالى في الآية قبلها أنه يحكم بين الناس يوم القيامة فيما اختلفوا فيه أتبع ذلك الخير بأن عنده علم كل شيء ليقع الحكم في معلوم، فخرجت العبارة على طريق التنبيه على علم الله تعالى وإحاطته و{إن ذلك} كله {في كتاب} وهو اللوح المحفوظ وقوله: {إن ذلك على الله يسير}، يحتمل أَن تكون الإشارة إلى كون ذلك في كتاب وكونه معلوماً، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الحكم في الاختلاف. ثم ذكر تعالى على جهة التوبيخ فعل الكفرة في أنهم {يعبدون} من الأصنام {من دون الله ما لم ينزل} الله فيه حجة ولا برهاناً. والسلطان، الحجة حيث وقع في القرآن، وقوله {وما للظالمين من نصير}، توعد، والضمير في {عليهم} عائد على كفار قريش، والمعنى أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن من النبي عليه السلام أو من أحد من أصحابه وسمعوا ما فيه من رفض آلهتهم والدعاء إلى التوحيد عرفت المساءة في وجوههم والمنكر من معتقدهم وعداوتهم وأنهم يريدون ويتسرعون إلى السطوة بالتالي، والمعنى أنهم {يكادون يسطون} دهرهم أجمع، وأما في الشاذ من الأوقات فقد سطا بالتالين نحو ما فعل بعبد الله بن مسعود وبالنبي عليه السلام حين أغاثه، وحل الأمر أبو بكر، وبعمر حين أجاره العاصي بن وائل وأبي ذر وغير ذلك، والسطو إيقاع بمباطشة أو أمر بها، ثم أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم على جهة الوعيد والتقريع {أأنبئكم} أي أخبركم {بشر من ذلكم} والإشارة ب {ذلك} إلى السطو ثم ابتدأ ينبئ كأن قائلاً قال له وما هو قال: {النار} أي نار جهنم، وقوله {وعدها الله الذين كفروا}، يحتمل أن يكون أراد أن الله تعالى وعدهم بالنار فيكون الوعد في الشر ونحو ذلك لما نص عليه، ولم يجئ مطلقاً، ويحتمل أن يكون أراد أن الله تعالى وعد النار بأن يطعمها الكفار فيكون الوعد على بابه إذ الذي يقتضيه تسرعها إلى الكفار وقولها هل من مزيد ونحوه أن ذلك من مسارها، و{المصير} مفعل من صار إذا تحول من حال إلى حال ع، ويقتضي كلام الطبري في هذه الآية أن الإشارة ب {بذلكم} هي إلى أصحاب محمد التالين ثم قال: ألا أخبركم بأكره إليكم من هؤلاء أنتم الذين وعدتم النار وأسند نحو هذا القول إلى قائل لم يسمه وهذا كله ضعيف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7